05/01/2011
لجأ بطرس حرب إلى فتوى للراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين لتبرير مشروع قانونه العنصري بمنع بيع مسيحي أرضاً لمسلم أو العكس. وربما كان يريد أيضاً منع بيع شيعي أرضه لسني وماروني لكاثوليكي وعلوي لدرزي. هذا اللجوء لا يعدو كونه نقطة ضعف إضافية، لأن حرب يستخدم هذه الإعارة على الطريقة اللبنانية التقليدية، أي إنه يريد أن يقول للمسلمين إن شمس الدين هو من أفتى بعدم جواز عمليات الشراء؛ لكونها تجري لأسباب غير تجارية.
في أواسط التسعينيات، كان سليمان فرنجية وزيراً للبلديات. جاءه وفد من بلدة الحدث في قضاء بعبدا يشكون تمدّد أبناء الضاحية الجنوبية باتجاه الحدث، وأن هناك فوضى في عمليات البناء وخلافه. وطلب الوفد إليه التدخل. يومها، سأل فرنجية الوفد: هل يستولي الشيعة على الأرض أم يشترونها؟ فرد الوفد بأن العقارات جرى تملكها في إطار عمليات بيع وشراء، وأن المسيحيين المحبطين قرّروا بيع أراضيهم لكونهم يريدون الانتقال إلى مكان آخر للعيش، سواء أكان داخل لبنان أم خارجه. فرد فرنجية: وماذا بوسعي أن أفعل؟ البلدية بيدكم، ويمكنكم أن تفرضوا شروطاً في عملية البناء. لكن ليس بوسعكم منع أحد من تملك عقار أو البناء عليه لمجرد أنه من طائفة أخرى.
الصيف ما قبل الماضي، سعى سمير جعجع مع مغتربين أو مع أميركيين من أصل لبناني إلى أن يأتوا إلى لبنان ويشتروا عقارات معروضة من مواطنين مسيحيين للبيع. وسعى مع الراحل أنطوان الشويري إلى إقناع شخصيات عالمية مثل كارلوس سليم بتمويل مشروع كبير في الشمال يتضمّن عمليات شراء أراضٍ وتشييد منتجع سياحي كبير. كذلك فعل وليد جنبلاط في «أيام الغشاوة» بأن اتصل بسليم نفسه، باعتباره ابن قضاء جزين، طالباً إليه صرف بعض ثروته على شراء عقارات يسعى رجال أعمال شيعة (يعتقد جنبلاط أنهم غطاء لحزب الله) في تلك المنطقة. لكن لا جعجع ولا جنبلاط صرفا بعضاً من أموالهما التي جمعت أثناء لعبة السيادة والحرية والاستقلال، في عمليات شراء بعض هذه العقارات. وربما اضطر جنبلاط للمرة الأولى منذ زمن بعيد إلى الصرف من جيبه بأن خصّص عقارات في مناطق عدة لمشاريع ذات طابع تربوي أو إنمائي.
لكن حقيقة الأمر ليست في تمنّع هذين عن التدخل لمعالجة الأزمة فحسب، بل لكونهما لم يتقدّما خطوة عملية واحدة باتجاه إعادة الحياة إلى طبيعتها في جبل لبنان، ولم يعملا لحظة واحدة على تنمية التواصل بين المسيحيين والمسلمين هناك لتوفير شروط العيش في هذه المنطقة أو تلك. سافر الرجلان إلى المغتربين من دروز ومسيحيين في بلاد المهجر للحصول على دعم مالي، لا لحثهم على العودة إلى لبنان. تواصلوا مع هؤلاء فقط لجلبهم إلى التصويت في أيام الانتخابات، ولم يفعلا شيئاً لإقناع بعضهم بشراء منزل أو إعادة ترميم بيوت الآباء والأجداد.
لكن بطرس حرب لم يجد في كل العلاجات الواقعية والممكنة لإبقاء الناس في أرضهم سوى اللجوء إلى مشروع قانون عنصري، مخالف لأبسط قواعد الدستور ومناقض كلياً للهوية الوطنية اللبنانية المفترضة، وهو قصد أمس البطريرك الماروني لشرح أسبابه الموجبة. لكنه لم يتحدث مع رأس الكنيسة عن دورها المطلوب في مواجهة أزمة الهجرة المتواصلة. وبالتأكيد لم يقل له إن على الكنيسة أن تتوقف عن بيع مفاتيح الجنة. لم يقل له إنه آن الأوان لتقود الكنيسة مشروعاً اجتماعياً ثورياً يقوم على تسييل العقارات المنتشرة في الجبل وكل مناطق لبنان، وتحويل بعضها إلى عقارات قابلة للبناء السكني أو استخدام عائدات بعضها الآخر لتمويل مشاريع تبقي الشباب المسيحي في لبنان؛ لأن هذه المشاريع هي التي تبقيهم في هذه الأرض، لا تلك العظات التي تشبه البكاء على الأطلال والأمجاد الغابرة.
لم يكن في بال بطرس حرب فهم أن القواعد السياسية التي أملت اتفاق الطائف كما هو، ليست هي القواعد المعبّرة حقيقةً عن واقع البلاد. ولم يدرك بطرس حرب أن استراتيجية ضبط الناخبين ضمن قوانين انتخابات بالية، نيابية أو بلدية ليست كافية لمنع التغييرات الكبرى من البروز إلى السطح ولو بعد حين. ولم يكن في بال بطرس حرب أن يقول لصفير إن عليه إفساح المجال أمام تغيير حقيقي وتجديد في إدارة الكنيسة التي تسيطر على الكثير من مقدّرات البلاد، وأن يدفع بها نحو دور اجتماعي من نوع مختلف، وأن يدرك أن الأمر يبدأ أولاً من عملية الاندماج الفعلي والكلي في الوسط الاجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه المسيحيون، ثم في أن تبادل الكنيسة، لمرة واحدة، الناس ثقتهم بها، وأن تصرف ما جمعوه لها في الأيام السود الحاضرة، وألّا يكون الهم الفعلي اللجوء إلى خيارات مجنونة تقود المسيحيين إلى مصائر رهيبة كما هي الحال في فلسطين والعراق ومصر… أي حيث وطئت أقدام إسرائيل وأميركا.
مشكلة بطرس حرب أنه لم يلتفت جدياً إلى أن الاستحقاق الأساسي الذي يواجه مسيحيي لبنان الآن لا يعالج بقوانين متخلفة وغير قابلة للتطبيق، بل في إجراء مراجعة حقيقية، لما آلت إليه السياسات التي قام عليها الفريق السياسي لبطرس حرب منذ وقت طويل إلى الآن.
للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.
نعمل في حركة مناهضة العنصرية بجهد على العديد من النشاطات والمبادرات المختلفة. معظم نشاطنا تعدّ في الإمكان بفضل فريق من المتطوعين/ات يعمل مع فريقنا الأساسي بشغف و إخلاص.
حركة مناهضة العنصرية هي حركة شعبيّة أنشأتها جهات شبابيّة ناشطة في لبنان بالتعاون مع عمّال وعاملات أجانب. نعمل معًا في الحركة على توثيق الممارسات العنصرية والتحقيق فيها وفضحها ومحاربتها من خلال مبادرات وحملات عديدة. تمّ إطلاق حركة مناهضة العنصرية عام 2010 عقب حادثة وقعت في أحد أكثر المنتجعات البحرية الخاصّة المعروفة في بيروت.