..لسنا عنصريين ولكن

أخبار ومستجدّات

فرات الشهال  السفير

حين نقول ان في فرنسا عنصرية، يلخّص ذلك الكثير من الأشياء، من جمل صغيرة “غير خطيرة”، وصولاً إلى جرائم القتل. إليكم، بعض القصص التي عايشتها، أو رُويت لي، أو قرأت عنها.

في الصف الثاني متوسط، قدمت إلى لبنان لتمضية العطلة. سألتني زميلتان لي في الصف في فرنسا: “حين تذهبين إلى لبنان، هل تتحجبين كلياً؟”.

في السنة التي تلتها، صديقة كانت مقربة، قالت لي: “أنا عنصرية، لكن لا تقلقي، لست عنصرية تجاهك”.

صديقتي الجزائرية الأصل المتفوقة في الصف، كانوا يقولون لها دائماً: “لا يمكن أن تكوني عربية، فأنت مندمجة”.

في إحدى المرات، سألت معلمة التاريخ التلامذة: “من منكم رأى جملاً في حياته؟”. ثلاثون رأساً التفتوا باتجاهي.

جاري في المبنى، وهو رجل طاعن في السن، يستغل تواجدنا في المصعد معا ليحدثني عن الخاروف، هكذا من دون سابق إنذار، ليسألني إن كنا سنذبحه في المغطس؟

في برنامج على الشاشة، مقابلة مع امرأة في الشارع. تقول: “ما علينا فعله هو إرجاعهم من حيث أتوا.. (تسكت) وفي زورق من دون قعر”.

في العام 1991، جاك شيراك عمدة باريس حينها، وبعد زيارة للأحياء الشعبية في باريس، أعلن: “كيف تريدون للفرنسي الذي يعمل هو وزوجته، واللذين يتقاضيان معا ما يقارب الـ15 ألف فرانك ويريان بالقرب من منزلهما، في مراكز الإسكان الشعبية، عائلة مؤلفة من رجل وثلاث أو أربع زوجات، يضاف إليهم حوالى 20 ولداً، يتقاضون 50 ألف فرانك من المساعدات الاجتماعية من دون أن يعملوا.. وإذا أضفنا إلى ذلك الإزعاج والرائحة الكريهة التي يتسببون بها، سيفقد العامل الفرنسي صوابه. ولا توجد عنصرية في قول ذلك”.

في العام 1983، في “كورنوف”، إحدى ضواحي باريس، قتل توفيق أوانس (10 سنوات) برصاصة في الظهر، على يد جاره (ربما هو الجار نفسه الذي تحدث عنه شيراك لاحقاً)، بعدما “انزعج من لعبه بالمفرقعات”. القاتل أدين بسنتين في السجن.

شاب في مدرستي، يخرج كتاب الجغرافيا في الملعب أثناء الفرصة. يحاول أن يظهر لأربعة زملاء له في الصف أن الجزائر، من حيث أتى، لا تقع في أفريقيا. ولذلك لا يمكن أن يعتبر أفريقياً بدوره. ويحاول أن يظهر أن الجزائر ليست بعيدة كثيراً عن مرسيليا، والمسافة القصيرة تجعل منه أكثر فرنسية من الايطاليين مثلاً.

في مناسبة نهاية العام الدراسي، كنا نحضّر لعرض “بحيرة البجع” الراقص. تقترح عليّ مدرسة الرقص أن آخذ دور “المشعوذة”، لأنني ببساطة لا أشبه “البجعة”.

تييري رولاند، المعلق الرياضي الأشهر في فرنسا، كان يعلق على مباراة بريطانيا والأرجنتين الشهيرة في “مونديال 1986″، المباراة التي سجل فيها مرادونا هدف “يد الله”، محققاً بذلك تأهل فريقه. كان رد فعل المعلق التالي: بصراحة، ألا تظنون أن هناك شيئا آخر غير حكم تونسي ليحكم مباراة بهذه الأهمية؟ بعد ذلك صرّح المعلق وقال: “أنا لست عنصرياً، ليس لدي شيء ضد التونسيين، عاملة النظافة لدي تونسية”.

ملكة جمال فرنسا للعام 2014، سوداء اللون. العنصرية على “تويتر” الآن. مثلاً: “لست عنصريا، لكن ألا يجب على مسابقة ملكة جمال فرنسا، أن تقتصر فقط على ذوي البشرة البيضاء؟ أو مثلاً: “أعد نشر هذا التويت، لو أنها لبست الملابس التقليدية الفعلية لـكانت MissFrance2014# ظهرت بملابس جلود الحيوانات وعظمة في الأنف”.

صديقة لي من أصول جزائرية، في مخيم صيفي. يطلب القيمون على المخيم من الأطفال، كتابة كلمة على المفكرة الخاصة بكل طفل، على أن يوقعها أهاليهم. في النهاية، تتقدم احدى المشرفات، وتتوجه إلى صديقتي بالتحديد، لتقول لها: “إذا كان أهلك لا يستطيعون الكتابة فبإمكانك أن تقولي لهم بأن يضعوا علامة أكس”، وتبتسم بشفقة.

زميل آخر لي في الصف، من أصول مدغشقرية، يدعى “راكوتومالالا”. كل أيام السنة، حين تتفقد المعلمة حضور التلامذة، تناديه: “سيدريك راكوتو.. إلى آخره”.

ليس العيش في فرنسا بالأمر السيئ، لكن يجب أن نمكث هناك كي نفهم. الجمل الصغيرة، ليست دراماتيكية، مع أنها لاذعة، نشعر بها، لكنها تمرّ، نتأقلم معها وننساها. وفي يوم من الأيام، من دون أن ندري لماذا، سنلاحظ ونشعر بأننا “لسنا على ما يرام هنا”، فنتذكر.

دلالات :
شارك هذا :

مقالات مشابهة

لديك أي أسئلة؟

للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.