“نساء أثيوبيات” في بيروت

أخبار ومستجدّات

Al-Modon

 
 في المصعد، كنّا ثلاثة. رجل في الخمسينات وصديقه وأنا. الرجل الخمسيني يرتدي بدلة رسمية أنيقة. حذاؤه يلمع تحت ضوء المصعد الخافت. ترتسم على وجهه ابتسامة ممتلئة تشي بأن شيئاً لا ينقصه في هذه الحياة، وبأن شيئاً لا يعكّر مزاجه أو يخدش سعادته. فجأة، توقف المصعد في الطابق السادس. دخلت صبية فلبينية في العشرينات من عمرها، ترتدي زيّ العمل الموحد الذي يجبرون العاملات على ارتدائه. وقفت بخجل وسطنا نحن الثلاثة. نظر إليها الرجل الخمسيني بامتعاض. تغيرت ملامحه وتلك الابتسامة الممتلئة تحولت إلى تكشيرة لا تخفي قرفه وانزعاجه من دخول الصبية إلى المصعد. قال لها بصوت مسموع: “أوف.. ما بيكفي البنت اللي عنا بالبيت بوجنا طول اليوم! كمان عالأسانسور لاحقتينا!”. 
في السرفيس، ركبت في الخلف مع صبية فلبينية أو أثيوبية لا أعرف بالضبط. إلى جانب السائق يجلس شاب في الثلاثينات. بعد دقائق قليلة، همست الصبية بعربية ثقيلة للسائق، أن توقف. همّت بالنزول من جهة اليسار، جهة عبور السيارات. استرقت النظر إلى الخلف، فرأيت السيارات تمشي بسرعة وتهور. فتحت الباب المفضي إلى الرصيف لأفسح لها طريقاً للنزول بأمان. فتدخّل الشاب الثلاثيني، وقال لها: “إي انزلي من جهة اليمين أحسن ما تعوري الباب!!”. 
عند حافة الرصيف، كانت تقف صبية فلبينية أو أثيوبية. لا أعرف إن كانت تنتظر وصول أحد ما أو تاكسي ربما أو سرفيس. وقفت سيارة “Audi” بمحاذاتها. يقودها رجل ستيني. فتح شباك سيارته المطلّ على الرصيف. راح يزمّر للصبية. يرجوها أن تصعد. أخرج من جزدانه خمسين ألفاً ثم ستين ثم سبعين. الصبية تجاهلته في البداية. ثم راح يزمّر ويزمّر ويصرخ وينادي. نظرت إليه أخيراً ويبدو أنها شتمته بالإنكليزية. فما كان منه إلا أن صرخ في وجهها وشتمها وشتم أمّها بمفردات سوقية للغاية. 
الصبايا الثلاث، تركن بلادهن من أجل راتب شهري لا يتجاوز الـ 200 دولار أميركي ليكون معدل دخلهن السنوي 2400 دولاراً. ذلك المبلغ، تصرفه بعض العائلات التي تعيش في بيروت في أقل من أسبوع. وربما يكون رجل المصعد الخمسيني واحداً منها. 
تودّع أهلها وأطفالها إن كان لديها أطفال، وترحل إلى بلد مجهول لتعيش عند عائلة مجهولة لسنوات ثلاث.  المهام التي تقوم بها لا تقلّ أهمية عن المهام التي تقوم بها العائلة “المضيفة”. فهي تغسل الملابس وتمسح الأرض وتلمّع وتجلي وتكوي وتطبخ وتتبضّع. عليها أن تربّي الأولاد وتلعب معهم وتسلّيهم. عليها أن تتمشّى بصحبة الكلب إن وجد وتنظف فضلاته. تغسل السيارات أحياناً. هي أول من يستيقظ في البيت وقد تكون آخر من ينام.
“أكثر من 20 ألف أثيوبية، هجرت بلادها هروباً من الفقر، وجاءت إلى لبنان لتعيش ظروفاً حياتية صعبة للغاية، حسب تقديرات منظمة العمل الدولية. ومع أن لبنان عضو في الهيئة الاستشارية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، إلا أنه لم يوقع على اتفاقية جنيف للعام 1951 المتعلقة بالعمال المهاجرين”. هذه المقدمة جاءت بمناسبة بوم المرأة العالمي وعلى هامش فعاليات “الشهر الفرانكفوني” حيث افتتح في المعهد الفرنسي معرض للصحافية والمصورة نورما ناكوزي بعنوان “نساء أثيوبيات” لدعم “قضية” العاملات الأجنبيات في لبنان. ويستمر المعرض لغاية 15 آذار/ مارس 2013.  
دلالات :
شارك هذا :

مقالات مشابهة

لديك أي أسئلة؟

للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.