العاملات الأجنبيات في لبنان: الانتحار أو الجنون أو “الفصل العنصري”

أخبار ومستجدّات

رينكا ماغار، عاملة أثيوبية، 28 عاماً، شنقت نفسها داخل المنزل التي كانت تعمل فيه في شارع نقابة الأطباء في طرابلس، في 3 آب/ أغسطس 2012.

 

 

ديشاسا ديسيسا، عاملة أثيوبية، 33 عاماً، انتحرت في مستشفى دير الصليب للأمراض النفسية في 14 آذار/مارس 2012 بعد ثمانية أيام على بثّ مقطع فيديو تتعرّض فيه ديسيسا للتعنيف من موظف في مكتب استقدام عاملات خارج القنصلية الأثيوبية في بيروت.يوجد حالياً خمس عاملات أثيوبيات حوّلهنّ الأمن العام إلى مسشتفى دير الصليب. بين شهر نيسان/ أبريل 2011  وأيار/مايو 2012، سجلت منظمة “كفى عنف واستغلال” 94 حالة اعتداء على عاملات منازل، أغلبها ضرب وتعنيف وامتناع عن دفع الأجرة، إلى حالات تحرّش جنسي واغتصاب.في شهر آب/ أغسطس 2010، جمعت منظمة “كفى” معلومات عن وفاة 9 عاملات أجنبيات في شهر واحد.وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد خلصت في تقرير صدر العام 2008 الى أن معدل وفاة العاملات لأسباب “غير طبيعية” في لبنان يبلغ حالة واحدة في الأسبوع، ومن أسباب الوفاة الانتحار والسقوط من المباني العالية. تعطي هذه الأرقام صورة عن وضع عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان، وهو نتيجة عوامل عديدة أبرزها  نظام الكفالة المُتّبع وغياب تدابير حماية عاملات المنازل الوافدات، والممارسات العنصرية المتفشّية في لبنان.

 

“حق” ملكية العاملات!
 

بحسب نيشا فاريا، باحثة في مجال حقوق المرأة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لا يطبّق قانون العمل على مئتي ألف عاملة منازل، قدِمْن بشكل أساسي من سريلانكا وأثيوبيا والفيليبين ونيبال، إذ يخضعن إلى قواعد تنظيم الهجرة التقييدية التي تستند الى نظام كفالة أصحاب العمل للعمال.يشكّل نظام الكفالة هذا، بحسب رولا أبي مرشد، منسقّة مشاريع في منظمة “كفى”، أحد أسباب المشكلة، لأنه يعطي صاحب العمل سلطة مطلقة على الأجير. يقول سعد الكردي، المتطوع في “حركة مناهضة العنصرية”، إن “صاحب العمل وفقاً لهذا النظام ليس فقط مسؤولاً عن المُستخدم بل يمتلكه، إذ يمكنه حبس العاملة في المنزل ومصادرة جواز سفرها وضربها وحرمانها من الطعام والامتناع عن دفع مستحقاتها وتشغيلها لساعات طويلة دون منحها إجازات”. وتشير رنا بو كريم، العضو في “حركة مناهضة العنصرية” الى أن صاحب العمل يلجأ أحياناً الى “تخويف” العاملة عند ارتكابها “خطأ” ما عبر الاتصال بالمخفر وحبسها لمدّة قصيرة. وتضيف بو كريم أن العاملة تبقى منسية في المخفر، وكأن لا وجود لها ولا قيمة.تروي أنها ذهبت أخيراً الى المخفر برفقة القنصل النيبالي لرؤية عاملة نيبالية محجوزة هناك، وأول كلمة قالتها كانت “ماء”. بلغت الحرارة 38 درجة ولم ينتبه الى وجودها العاملون في المخفر. قضت 24 ساعة، من دون طعام أو شراب.إخفاق القضاء في الحماية“لا تؤمّن الدولة اللبنانية الحماية للعاملات” يقول الكردي. وقد أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في هذا الموضوع  تقريراً العام 2010، يتناول إخفاق القضاء اللبناني في حماية عاملات المنازل الوافدات. وقد أظهرت  المنظمة بعد مراجعتها 114 حكماً قضائياً خاصاً بالعاملات الأجنبيات، أنه لم توجه أي تهمة لأصحاب العمل بسبب حبس العاملات في المنازل أو مصادرة جوازات سفرهن أو حرمانهن من الطعام. وعند خروج العاملات أو العمّال الأجانب من أماكن إقامتهم، غالباً ما يتعرّضون إلى ممارسات عنصرية. يقول الناشط في حركة مناهضة العنصرية “إن التمييز موجود في كل الأمكنة، في المطار وفي الشارع وفي المدارس وفي المطاعم”. ويضيف: “عند إنهيار مبنى في الأشرفية هذا العام، كان تعاطي الدولة اللبنانية والإعلام معيباً بحق العاملين الأجانب. لم تذكر أسماؤهم ولم ترو حكاياتهم. وعند إنقاذ كل اللبنانيين من تحت الأنقاض، توقّف البحث وجاءت الجرّافة، لتجرف معها عاملاً هندياً”.هناك أيضاً تمييز يبرز بشكل نافر في كل صيف. إذ على الرغم من صدور تعميم عن وزارة السياحية يُلزم فيه المسابح باستقبال الزبائن بغضّ النظر عن أعراقهم وجنسياتهم، لا يزال “الفصل العنصري” قائماً في مسابح لبنان. وأجرى ناشطون في حركة مناهضة العنصرية إتصالات بـ30 مسبحاً، واحد منهم فقط يسمح لعاملات المنازل الأجنبيات بالسباحة.حمايتهن من العنف يجمع الناشطون والمنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان على ضرورة وضع حدّ لهذه الممارسات العنصرية وغير الإنسانية التي تتعرّض لها عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان. ويبدأ التغيير، وفقاً للناشطة رولا أبي مرشد، بإلغاء نظام الكفالة وبفصل العلاقة بين صاحب العمل والأجير: “يجب أن لا يُكتب على الإقامة إسم المستخدِم، هو صاحب العمل وغير مسؤول عن العاملة”.وينبغي العمل أيضاً، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، على تبنّي قانون للعمل يخصّ عاملات المنازل ويتماشى مع المعايير الدولية، وعلى اتخاذ تدابير لحماية العاملات من العنف كمراقبة مكاتب الإستخدام بدقة.تعمل منظمة “كفى” و”حركة مناهضة العنصرية” والعديد من الجمعيات الناشطة، على نشر مفاهيم المساواة والعدالة في المجتمع اللبناني.وقد نظمّ العديد من الجمعيات مهرجاناً عُمّالياً في 29 نيسان/أبريل من هذا العام، شاركت فيه عاملات المنازل الأجنبيات بأزيائهنّ المتنوعّة الملوّنة، ورقصْن على ألحان بلادهنّ التقليدية. “شكّل هذا المهرجان مناسبة لإظهار الوجه الثقافي والإنساني للعاملات، وإعطائهنّ الفرصة للتعبير والتواصل”، بحسب سعد الكردي. ويضيف أن “العديد من الأشخاص يعتبرون أن عَملنا في فضح العنصرية يُسيء إلى صورة لبنان. وأن هناك مبالغة في تصوير الانتهاكات التي تتعرّض لها عاملات المنازل الأجنبيات. لماذا التركيز على حقوقهنّ في الوقت الذي لا يتمتّع اللبناني بأي حقوق. وكأن نقص الحقوق يبرّر إستعباد الناس؟”.

 

NowLebanon

دلالات :
شارك هذا :

لديك أي أسئلة؟

للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.