انفجار بيروت: تضامن ملطّخ بالعنصرية

المناصرة العامة

بعد مرور أكثر من أسبوعٍ على التفجير الذي هزّ مدينتنا، ما زلنا تحت تأثير الصدمة التي وضعت نفوسنا في حالة حدادٍ دائم مع الموت. قلوبنا مع من فقدوا أرواحهم وخسروا مصادر رزقهم في هذه المجزرة بحقّ بيروت وسكانّها أجمعين. 

تتحمل الطبقة السياسية الحالية وكلّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة، بما فيها الحكومة المستقبلية التي للأسف سُيعاد تدويرها من المخاض السياسي الراهن، المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة. 

حتى يومنا هذا، لا تزال الحصيلة الرسمية للمتوفين والمفقودين غير نهائيةومما لا شكّ فيه أنها تستثني الضحايا من أصولٍ غير لبنانية. هذا ليس من قبيل الصدفة، إذ يتعرض العمال والعاملات المهاجرون/ات واللاجئون/ات في لبنان للتهميش الممنهج ويُجرّدون من كامل إنسانيتهم، في حياتهم كما في مماتهم. 

نشكر الذين تمكنوا من تجميع هذه القائمة بأسماء المتوفين من أصلٍ سوري ونأسف بشدة لتمكّننا من الحصول على 12 اسمًا فقط من بين أسماء العمال المهاجرين والفلسطينيين المتوفين. تمكّنا كذلك من معرفة أسماء 3 حالات وفاة إضافية (أقّله) داخل المجتمع البنغلاديشي. فلترقد أرواحكم بسلامٍ وليبقى نضالكم حيًّا بيننا: هيلر-مريم ديميس ريتا، إيتيتو ديشاسا تولو، بيبي-لين سيروهيجوس، بيرليتا ميندوزا، أرليت ميجلانجيت، جُلباب ساجد علي، مِهدي حسن رامي، ميزان (اسم العائلة غير معروف)، ريزول منير سيكدر، محمد دغيم، فراس دحويش، علي الصوان. 

بينما تمكّن بعض ضحايا هذه المجزرة من ترميم منازلهم وبلسمة جروحهم ودفن موتاهم، لا يزال آخرون يواجهون صعوباتٍ في لملمة ما تبقى من حيواتهم. لدرجة أنّ عائلة سورية لم تتمكن من دفن ابنتاه، كما أفاد بعضً من الناشطين/ات على فيسبوك. وعلى الرغم من تكاثف جهود الإغاثة في الأسبوع الماضي لمساعدة المنكوبين، التقارير الواردة من متطوعين على الأرض تشير إلى أنّ بعض المبادرات الإغاثية، والتي تنظمها الأحزاب السياسية والجمعيات غير الحكومية والمبادرات المحلية الفردية، تستبعد المقيمين غير اللبنانيين عمدًا استناداً إلى جنسيتهم أو وضعهم القانوني. كما أفاد شهود عيان بالعنف المُمارس من قبل بعض المتطوعين إزاء السوريين في مواقع مختلفة داخل بيروت، بالإضافة إلى قيام عناصر قوى الأمن الداخلي بطلب الهويات من المتطوعين أثناء قيامهم بإزالة الأنقاض وتنظيف الشوارع المتضررة.

هذا الإستعراض المدني الذي تروّج له وإعلام السلطة عمومًأ، ما هو إلّا عرضًا نموذجيًّا للتضامن والتكاتف الوطني تشوبه زؤانة العنصرية والمحسوبية الراسخة في داخلياّت المجتمع اللبناني.

مع إعلان حالة الطوارئ العسكرية التي سيتم تنفيذها على مدار الخمسة عشر يومًا القادمة، فإن الخطر المتربص بالعمال المهاجرين الذين سيتم إبعادهم قسرًا من الشوارع لا تُحصى أبعاده. أين سيذهبون؟ في الأشهر القليلة الماضية، تمّ التخلي عن أكثر من 100 عاملة مهاجرة من قبل موظِفيهن، مما أجبرهنّ على التشرد. وطُرد عمّال أجانب آخرون بشكل غير قانوني لتعذّر دفعهم بدل الإيجار. والآن يعيش الكثير من العاملين والعاملات المهاجرين/ات بين الأنقاض، متمسكين بجدرانٍ لم تعد موجودة. 

لم يكن لبنان يومًا ملاذًا آمنًا للعاملين والعاملات المهاجرين/ات، واليوم هو أقرب للجحيم. لذلك، العاملون والعاملات المهاجرون/ات في حاجةٍ ملحّة للعثور على مأوى والحصول على خدمات لإصلاح منازلهم المدمرة ومساعدات لدفع الإيجار وتأمين الغذاء والضروريات الأساسية. لكن الأهمّ من ذلك كلّه، العاملون والعاملات المهاجرون/ات يريدون العودة إلى ديارهم. فقط لا غير.

نحن في حركة مناهضة العنصرية نؤيّد هذا المطلب شبه الجماعي الآن داخل مجتمعات المهاجرين/ات تأييدًا كاملًا، ولن ندّخر جهدًا في سبيل تحقيق ذلك. نطالب بخطةٍ فوريّة لإجلاء العمال والعاملات المهاجرين/ات وإعادتهم إلى بلادهم. إلى أيّ مكان أكثر أمانًا من هنا.

خلفية

في الرابع من آب العام 2020، ضرب انفجارٌ هائلٌ العاصمة اللبنانية نجم عن اشتعال 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم المُخزنة والمنسيّة في مرفأ بيروت. وتسبب الانفجار في مقتل أكثر من 150 شخصًا وإصابة الآلاف آخرين، بينما لا تزال عمليات البحث عن المفقودين مستمرة. ناهيكم عن الأضرار الجسيمة في المنازل والمباني في جميع أنحاء المدينة، مما تسبب في تشريد مئات الآلاف من العائلات والأفراد.

قبيل الانفجار، لم ينفكّ العمال والعاملات المهاجرين/ات يطالبون بإجلائهم من لبنان والعودة إلى ديارهم. اليوم، تشعر أسرهم بالقلق على سلامتهم في بلد لا يجرّدهم من إنسانيتهم ​​فحسب، بل لا يعتبر أمنهم وبقائهم على قيد الحياة أولوية ملحّة في خضمّ وضعٍ متغير باستمرار، من حيث الإغلاقات المتكررة والإجراءات الامنية المفروضة على البلاد لمحاولة السيطرة على انتشار فيروس كورونا.