كان اسمها آلِم آشِسا

أخبار ومستجدّات

 ظهرت آلِم أشِسا أول مرة على شاشة التلفزيون مطروحة على الأرض تتعرض للركل قرب سفارة بلادها. أمس، ماتت هنا، لا في إثيوبيا. انتحرت في مستشفى دير الصليب، بعدما «أؤتمنت» الدولة عليها، لكن، لا داعي للقلق: «التحقيقات مستمرة»

 
أحمد محسن
 
استسلمت آلِم آشِسا. هناك في دير الصليب قتلت نفسها. استسلمت تماماً لما يُراد أن يكون «قدر» العاملات هنا. الأمل في نجاتها كان مبالغاً فيه. كانت «الجديّة» التي طرحت فيها قصتها خاوية من الاستدراك الفعلي. خلال شهرين في لبنان، تلقت من الإهانات ما قد يتلقاه آخرون في أعوامٍ طويلة. قالوا إنها مجنونة لأنها لم تألف بيئة البلد العنصري. سحلوها على قارعة الطريق، وكان ممكناً للمشاهد أن يسمع أنين عظامها على الشاشة. وبعد الفيديو المشين، أخذوها إلى مستشفى الأمراض العقليّة، في خطوةٍ بدت للكثيرين أنها بداية «التنصّل» من مساءلة الفاعلين.
يقول صاحب مكتب الاستقدام، شادي محفوظ، إن ثمة تقريراً طبياً يؤكد وجود «كهرباء في رأسها». يقول أيضاً إن الأمن العام رفض سفرها، وإن الدرك رفضوا تسلّمها. حتى السفارة الإثيوبيّة أعلنت أن لا علاقة لها بالموضوع. أوصدوا كل الأبواب في وجهها، وسجنوها في دير الصليب حيث قتلت نفسها. لم تعلن موتها بصخب، وعلى الأرجح، ستكتفي بصمت القتلة المجهولين.
في المرة الأولى أعادوها من المطار. تذكرة سفرها ما زالت صالحة للاستعمال لكن آلِم نفسها انتهت. وبعد «جهد جهيد» قبِل الأمن العام بتسلّمها، مشترطاً على المكتب «تحمل تكاليف علاجها كاملة». لو لم يقبل المكتب، لكانت العاملة الضعيفة استسلمت قبل أمس بكثير. انتقالها إلى الأمن العام لم ينجِّها ولم يكن الأخير على مستوى «الأمانة»، إذ سلّمها إلى مؤسسة «كاريتاس»، التي نقلتها إلى دير الصليب. يؤكد وزير العدل، شكيب قرطباوي، أن النيّابة العامة أرسلت «وفداً للتحقيق هناك في دير الصليب، وأنه عاينها منذ 3 أيام، ووضع تقريراً عن حالتها». يستفيض الوزير، شارحاً أنهم في الوزارة أحضروا «دبلوماسيّاً من القنصليّة ليدّعي على أحد ما في قضية الفيديو، لأن الحق العام لا يتحرّك في مثل هذه الأمور». لكن مسرحيّة الادعاء انتهت هذا الصباح. فعلى ذمة الوزير، حين كان المدعي يهمّ بادعائه في مخفر أنطلياس، جاء خبر موتها إلى المخفر «فغادر المدعي فوراً إلى المستشفى». لا أحد يعرف بعد كيف فاته أن يدّعي، وكيف وصل الخبر بهذه السرعة القياسيّة إلى هذا المخفر بالذات. حتى الوزير نفسه لا يعرف. يعرف أنه «ليس هناك حق عام ويجب أن يكون هناك ادعاء». لكن، فليصدّق الشعب: «ستتابع التحقيقات». في أية حال، يخالفه وزير العمل، سليم جريصاتي. أهم ما يتبنّاه الوزير، والمتابع القانوني، أن «الحق العام تحرّك ولا يمكن إغفاله». وهذا يناقض «نظرية» قرطباوي تماماً، ويطرح سؤالاً جديّاً آخر، عن جدوى قدوم الدبلوماسي «الشبح» إلى المخفر، ورحيله بسرعة من دون ادعاء. واستطراداً، يستلزم التناقض بين رجلي القانون سؤالاً آخر: أين التنسيق؟ «التنسيق موجود»، يجزم جريصاتي.
على الشعب أن يصدّق «دولة» أؤتمنت على عاملة، فماتت هذه بعد أيام. ليس من حلّ آخر الآن. الشعب والدولة متورطان بسمعتيهما. ماتت آلِم أشِسا عن 34 عاماً، بعد شهرين على وجودها في لبنان فقط. في نهاية المطاف، توزيع المسؤوليات من صلاحيّة القضاء، على أمل أن تكمل النيابة العامة تحركها، قبل أن تستسلم بقية العاملات لهذا الجحيم. وفي هذا الإطار، تقذف زميلة لآلِم غضبها في وجه الجميع: الأمن العام مسؤول لأنه لم يتابع تفاصيل حياتها في منفى دير الصليب. قوى الأمن الداخلي مسؤولة لأنها لم تحمها من الضرب على قارعة الطريق. وزارة العمل مسؤولة لأن تحرّكها كان فارغاً من مضمون الحماية، واقتصر على تأليف البكائيات. وزارة العدل مسؤولة عن البطء. المؤسسة الإعلاميّة التي بثت التقرير «غير إنسانيّة»، كما أنها مسؤولة لأنها أجلت التقرير 13 يوماً، لتبثّه بمناسبة «يوم المرأة العالمي». أرادته بمثابة «سكوب». لكن «السكوب» الحقيقي حدث أمس. اكتشف اللبنانيون سمعتهم مجدداً. لا مسؤول واحداً يُسأل ماذا فعل بالعاملة. رغم وجود قتيلة يجب أن تتغير حياة المسؤولين عن موتها. يجب ألا تعود حياتهم كما كانت. لقد قتلوا عاملة.
دلالات :
شارك هذا :

مقالات مشابهة

لديك أي أسئلة؟

للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.