01/10/2013
ذات يوم، أرسلت شاشة المرّ مراسلة مع كاميرا لتصطاد العاملات الأجنبيات المعذبات. أثارت غضب مَن هو قادر على الغضب، لكن تقريراً مثل ذلك المشؤوم كان كافياً لتنتفض بلاد بطولها وعرضها، وطبعاً لم ينتفض أحد. ثم خرج على شاشتها خبير في التغذية، ونعت المزارعين الأفارقة بالـ«العبيد»، ولم يوضع هذا التافه في السجن. وخلال الأسبوع الأخير، وجدت المحطة الحلّ السحري لأزمة النزوح السوري. عرضت اسكتشاً «بديعاً»، كثّفت فيه كل سخافة اللبنانيين: اللغة الفرنسيّة، مساحيق التجميل الدميمة، وشيطنة «الآخر».
فجعت الأم في الاسكتش. «الديناصورات» صاروا زملاء ابنها. هذه ليست عنصريّة بل أحقر من ذلك. يلمس المشاهد كراهية في تقارير المحطة المذكورة عن «الأجانب» لا تحتمل التأويل. وهذه حالة نادرة، يتجاوز فيها العنصري عنصريّته مستغلاً غياب عاملين أساسيين: أولهما أخلاقي، وهذا لا مكان له في حسابات العنصري الذي لا يقيم حساباً لمشاعر الآخرين، طالما أنه لا يقيم حساباً لوجودهم أصلاً. يمكن القول، ويا للخجل، إنه يتمنى زوالهم أيضاً، والاسكتش يستغل غياب العامل الثاني، أي القانون الذي يحظر هذه الدعايات القميئة. بالتأكيد، ليست mtv منفصلة عن الواقع، وهنا الطامة الكبرى، بل إنّها تمثل فئة واسعة، لا تشعر بأي رغبة بالبصاق على التلفزيون عندما تشاهد اسكتشاً نازياً من هذا النوع، يعرض في لبنان 2013. ولا تجد مسؤولاً حكومياً أو برلمانياً يعلّق، بل يدلفون جميعهم إلى برامج المصارعة المسماة «توك شو» على شاشة المحطة عينها، من دون أن يشعروا بالإهانة. والناس نفسها لا تشعر أنها أهينت من اسكتش مماثل، وأن شيئاً كهذا لا يجب أن يحدث باسمها. في الأساس، لم تكن الحرب اللبنانية أزمة جماعات عاجزة عن التواصل، لقد كانت أزمة هويّات. وخلّفت ما خلفته. اسكتش mtv، وتقاريرها المشابهة عبارة عن ترسبات سامة للحرب، وكثيرون صفقوا له ممن لم يغادروا هويّاتهم القاتلة. هؤلاء الذين أصيبوا في فترة ما، باعتقاد احمق يقول بوجود تفوق بيولوجي على الآخرين استقوه من أفكار رجل مجرم اسمه أدولف هتلر، فأسسوا أحزاباً وبنوا مؤسسات أُعجبوا بها أثناء تنظيم الألعاب الأولمبية في برلين خلال فترة النازية. ولا نعرف إن كانت الملامح الشريرة التي اتسمت بها ممثلة دور «الأم» في اسكتش/ دعاية mtv مقصودة، أو مستقاة من القسوة التي حبذها النازيّون، وغوبلز تحديداً، لاثبات أرعن مفاده أنّ النازيين يتفوقون على البشريّة. ربما مصادفة. الملامح القاسية عينها تقريباً: ذلك العبوس، والعينان اللتان تفيضان كراهية إلى حد لا يطاق.
الطفل طفل ولا ذنب له، والحشو مستمر. والأمر أبعد من ترهات «مونامور» والانبهار الدوني برواسب الحقبة الكولونيالية في الاسكتش. حتى في بلاد الاستعمار السابقة، ستجد من لفظ هذه «الأنا» إلى أسفل بئر العالم. قد يحسب هذا انفعالاً، لكن إذا أردنا أن نكون واقعيين، علينا أن نعترف بأننا مدينون للسوريين. مدينون للجميع، للإثيوبيين والاثيوبيات الذين يسكتون عن جرائمنا، مدينون لجميع الذين تكرههم mtv (ومن تمثله) باسمنا. نحن مدينون للسوريين بالحبّ، لكلّ العمال الذين رمموا لبنان بسواعدهم وأورواحهم. لو يعرف اللبنانيون أعداد العمال الذين قضوا في ورش لم تحترم سلامتهم ولا كراماتهم، لماتوا خجلاً. والخوف الحقيقي أنّ بين اللبنانيين من لا يخجل من نفسه اطلاقاً، بل يربي غوبلز صغيراً في داخله، ويقذفه عند الحاجة، منتشياً داخل الشاشة. وقد يكون تفسير إدوارد سعيد لهذه الحالات هو الأنسب. ثمة «عالمية جوهرية» تودي بالعنصري في النهاية إلى الاعتقاد بأنّ «الآخر» أدنى منه. هذه الفكرة عالقة في ذهن ما تمثله المحطة، ما ورثته من نشأة الكيان، ومن الحرب التي وقعت بين اللبنانيين بالأصل، بسبب اختلال توازن المجتمع، وعدم رغبته بالتعرف إلى معنى التمييز. بيننا اليوم من يبحث عن ضحايا جديدة لنهشها. اسكتش mtv الذي يزج بالأطفال في معركته لتطهير البلاد من السوريين، ليس سوى نهش لأجساد الأطفال السوريين الذين نراهم في الشوارع ونكتفي بإيماءات بالرؤوس إذا آلمتنا أحوالهم. هؤلاء الذين فقدوا مقاعدهم في المدارس بسبب حروب الآخرين، لا يريدون سوى أن يملأوا هذه المقاعد الشاغرة في قلوبنا. بدلاً من أن نخرج لنبحث لهم عن مقاعد، أو نسوّي ما يمكن تسويته في المناهج، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تبادلهم mtv بالدعوة إلى طردهم. وكونها محطة لبنانية، يعني أن هذا يحدث باسمنا. يا له من عار لن يمسحه شي، وقد تكون تداعياته هناك، في أسفل بئر العالم.
للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.
نعمل في حركة مناهضة العنصرية بجهد على العديد من النشاطات والمبادرات المختلفة. معظم نشاطنا تعدّ في الإمكان بفضل فريق من المتطوعين/ات يعمل مع فريقنا الأساسي بشغف و إخلاص.
حركة مناهضة العنصرية هي حركة شعبيّة أنشأتها جهات شبابيّة ناشطة في لبنان بالتعاون مع عمّال وعاملات أجانب. نعمل معًا في الحركة على توثيق الممارسات العنصرية والتحقيق فيها وفضحها ومحاربتها من خلال مبادرات وحملات عديدة. تمّ إطلاق حركة مناهضة العنصرية عام 2010 عقب حادثة وقعت في أحد أكثر المنتجعات البحرية الخاصّة المعروفة في بيروت.