خيبة أمل من سوء استقبال النازحين السوريين

أخبار ومستجدّات

“العراق يعتذر عن عدم استقبال لاجئين سوريين. لبنان يعتذر عن عدم معالجة جرحى سوريين. ماذا يمكن أن يقول السوريون الذين إستقبلوا مليون لاجئ عراقي، ما زال على الأرجح مئات الألوف منهم في سوريا؟ وماذا سيقولون عن اللبنانيين الذين إستقبلوا منهم 200 ألف تقريباً عام 2006؟ “.

 

هكذا أعرب الكاتب السوري ياسين الحاج صالح في صفحته على الفايسبوك عن خيبة أمل السوريين من هذا التعاطي المعيب مع مأساتهم الإنسانية. 

 

“هناك غصّة عند السوريين الذين لجأوا الى لبنان. فهم يستحقّون معاملة أفضل. في ذاكرتهم القريبة، هم احتضنوا بقدر ما استطاعوا ملايين العراقيين وآلاف اللبنانيين وتحمّلوا المعاناة والآثار الجانبية. لا يعود الفضل بذلك للنظام السوري بل للمبادرات الشعبية. كما لا يحقّ للشعب السوري أن يمنّن الآخرين، لكنه يتوقّع معاملة أفضل وإحتضاناً أكبر”، بحسب محمد العطار، الكاتب المسرحي السوري الذي قدم الى لبنان بداية السنة الحالية.

لجأ إلى لبنان منذ إندلاع الثورة السورية وحتى اليوم ما يقارب المئة ألف سوري، غالبيتهم من الأطفال والنساء، يعانون من نقص في الحاجات الأساسية كالغذاء والطبابة والتعليم والأمن. ماهر إسبر، الناشط والمعتقل السابق في السجون السورية، أُفرج عنه بقانون العفو الذي صدر بعد ثلاثة شهور من إندلاع الثورة، وقدم الى بيروت في أيلول الماضي، يصف حال اللاجئين السوريين بـ”التشرّد”.

 

فإذا كانت إمكانات الدولة اللبنانية لا تخوّلها إستيعاب هذا العدد الهائل من الناس، يُمكنها تكليف مؤسسات خاصة ودولية بالعمل الاغاثي. لكن الحكومة اللبنانية ترفض تنظيم موضوع اللجوء والتعاطي معه بشكل شفّاف وتمنع جهات دولية ومنظمّات مثل أطبّاء بلا حدود بالعمل ومساعدة الجرحى السوريين. وهي لا تكتفي بإعلان رفضها معالجة الجرحى والإمتناع عن تقديم المساعدات، بل تعرقل وصولها. وفقاً لإسبر، صادرت السلطات اللبنانية أخيراً “مساعدات صحّية وصلت الى مطار لبنان بقيمة 150 ألف دولار أميركي”.

 

وبما أن لبنان لم يوقّع إتفاقّية الـ51 التي تتناول وضع اللاجئين، ولا البروتوكول الملحق بها في ال67، فهو متحرّر من أي واجب لحماية اللاجئين، ويمكنه التعاطي بالطريقة التي يريدها معهم وعلى هوى الإنتماء السياسي للجهة الحاكمة، بحسب المحامي مروان صقر.

تتعاطى الحكومة اللبنانية مع السوريين كـ”أطراف”، وفقاً للناشط السوري كنان علي (وهو إسم مستعار)، وحتى الدعم الذي يتلقّاه السوريون في لبنان هو بأغلبه مناطقي وسياسي. فالبيئات الحاضنة، بحسب إسبر، طائفية، والأماكن الآمنة نسبياً في بيروت والتي يمكن أن يتواجد فيها السوريون في شكل عام مقسّمة طائفياً وسياسياً وفقاً لعلي. “يُستحسن تلافي المناطق الخاضعة إلى سيطرة أحزاب مثل حزب الله وأمل والحزب القومي السوري الإجتماعي والناصري”.

 

تلخّص الإحتكاكات اليومية مع سائقي الأجرة (التاكسي) في لبنان، وهي تجربة متكرّرة مع معظم السوريين، حالة الإنقسام السياسي التي يشهدها البلد. فهو لا ينظر إلى القضية السورية على أنها قضيّة إنسانية وأخلاقية في المقام الأول، بحسب محمد العطار. يضيف أن هناك ثلاث فئات من السائقين، الأولى مع الحراك السوري وضدّ فظائع النظام في لبنان وسوريا وضدّ ارتباطه بالحلف الإيراني. الفئة الثانية ضدّ الحراك ومع النظام الداعم للمقاومة والمُمانع، والثالثة رمادية “صامتة عن الفعل”، ويتكلّم المنتمون إليها بنبرة أبوية ووعظية، من منطلق خوفهم من إرتدادات الحالة السورية على لبنان. يضيف ماهر إسبر في السياق ذاته أن السؤال المتكرّر عند سائقي التاكسيات هو “ما هي طائفتك؟”.  

يعاني السوريون كذلك، وإن بدرجات متفاوتة، فقدان الأمان في لبنان.

 

لم يتعرّض معن عبد السلام، الناشط المدنيّ وصاحب دار نشر في سوريا ولبنان والذي قدم الى بيروت في أواخر عام 2011، الى مضايقات: “أسمع بحصول إنتهاكات أمنية ضد ناشطين سوريين. بالنسبة إلي، لم تصلني أي رسالة في هذا الموضوع. من الطبيعي حصول خلل أمني نظراً إلى التجاذبات الموجودة. هناك مجموعات خائفة وأخرى داعمة للنظام السوري وأخرى متعاطفة مع السوريين النازحين ومرحبّة بهم، فتحت لهم بيوتها وساعدتهم”.

 

بالنسبة إلى ماهر إسبر الذي تعرّض لمحاولة خطف في منطقة الحمراء في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أسوأ ما في الإقامة في لبنان هو الموضوع الأمني؛ ” النشاط في لبنان أخطر من سوريا والسوريون راضخون هنا أكثر، فعقلية الخوف التي تحرّر منها سوريّو سوريا ما زالت موجودة عند السوريين في لبنان”. يضيف إسبر بأنه يحدث أحياناً مبالغات في توصيف وضع السوريين الأمني، لكن كثيراً من الانتهاكات ارتُكبت بحقهم. هنالك أشخاص إعتقلوا ورُحلوا بحجج جنائية، وآخرون خُطفوا واختفوا وغيرهم أُوقف وخضع إلى تحقيق قبل اخلاء سبيله.

 

لم يفكّر محمد العطار في تحركّاته وفي موضوع الأمن إلّا بعد عملية خطف اللبنانيين الـ11 في سوريا، إذ أن التضييق زاد على السوريين بعد هذه العملية.

 

يربط كنان علي الإحساس بعدم الأمان عند السوريين والميل الى المبالغات أحياناً بإنعدام الشفافية لدى الحكومة اللبنانية في التعاطي مع هذا الموضوع. “التصريحات المتناقضة والخطاب المزدوج للدولة اللبنانية يؤجّجان هذا الإحساس لدى السوريين”، ويتابع: “حتى ولو تمّ تسليم سوري واحد الى السلطات السورية، فهذا خرق للمواثيق الدولية وستحاسب عليه الدولة اللبنانية”.

 

يذكر أن لبنان وقّع في 22 كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 على إتفاقية مناهضة التعذيب التي تنصّ في المادة الثالثة على أنه “لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (أو ترده) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، اذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”. من هنا ووفقاً للمحامي مروان صقر، تصبح الدولة اللبنانية مسؤولة أمام المتضرّر الذي يمكنه مقاضاتها.

 

إضافة الى كل ما ورد، يشعر السوريون بضيقة معيشية. “بيروت مدينة غالية ومعقّدة، ووضع الناشطين السوريين القادمين إليها سيئ جداً. فتحصيلهم العلمّي وتكوينهم الاجتماعي والثقافي يمنعانهم من أن يطرحوا أنفسهم كلاجئين”، بحسب العطار.

تعاطي لبنان مُعيب بحق اللاجئين، الفلسطينيين منهم والسوريين، ويستدعي ردّة فعل شعبية رافضة لهذا النهج غير الإنساني في التعامل مع آلام الناس. تعطي “الحملة الوطنيّة اللبنانية لاحتضان النازحين السوريين” التي تشكّلت منذ فترة قصيرة بريق أمل. فهي تضمّ، كما ورد على صفحتها على الفايسبوك، مجموعة من الشباب اللبناني المستقلّ الذي يريد مساعدة العائلات والأفراد السوريين من منطلق إنساني وأخلاقي.

 

يسأل السوريون: ثورة لبنان الى متى؟

 

ربّما الى حين إعلان أوان الورد في سوريا ….

 

Now Lebanon

دلالات :
شارك هذا :

لديك أي أسئلة؟

للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.