مرصد العنصرية | العدد الثاني: العنصرية تجاه رائحة الجسد

مرصد العنصرية

مرصد العنصرية | العدد الثاني: العنصرية تجاه رائحة الجسد

الرسم التوضيحي: أود نصر، @ahlan.my.darlings

عندما نتحدث عن “مشكلة” رائحة الجسد، يجب التنويه أن المشكلة، في أغلب الأحيان، هي مشكلة اجتماعية ذو روابط وأنماط ناتجة عن سلوكيات عنصريّة.

في العدد الثاني من مرصد العنصرية، قمنا بالتركيز على شهادات لعاملات منزليات مهاجرات توثّق مرورهن بتعديّات عنصرية و تجاربهن بالتصدّي للتمييز الممارس ضدّهن على أساس “رائحة أجسادهن.”

هذه الشهادات تحسّن من مفهومنا للعنصرية وتساعدنا على الإجابة على أسئلة تراودنا، على سبيل المثال:

  • “ماذا نقصد عندما نقول أن شخصاً ما ذو رائحة جسد قويّة أو كريهة؟”
  • “كيف يمكن للتعليقات العنصرية حول رائحة أجساد العاملات المنزليات المهاجرات أن تؤثر بصحتهنّ النفسيّة؟”
  • “كيف يمكننا التصدي للمضايقات والإهانات والتعليقات العنصرية ؟”

للمساهمة في مرصد العنصرية، يمكنكم التبليغ عن التعدّيات العنصرية والمحتوى العنصري عبر التواصل معنا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر الاستمارة.

يمكنكم قراءة الشهادات بالكامل في الأسفل. يمكنكم كذلك قراءة بعض المراجع العلمية باللغة الإنكليزية التي جمعناها خلال بحثنا عن الموضوع:

ماري-كريستين (الكاميرون)

مررت بتجربة مشابهة منذ عشر سنوات (…). شعرت بالارتباك في ذلك الوقت.تلقّي هذا النوع من التعليقات يولّد فيكِ شعوراً سيئاً. أضِف إلى ذلك الأذى المرافق لسماع هكذا تعليق لأول مرّة، تجدين أن الأذى مضاعَف.

أسأل نفسي أحياناً عن ثقة أولئك الأشخاص بأنفسهم، كيف يمكنهم إخبار الأخرين أن رائحة جسدهم “سيئة،” وكأنهم قد نسيوا أن رائحة أجسادهم سيئة أيضاً.

في كل مرة يأتي فيها ضيوف إلى المنزل، تطلب من صاحبة العمل أن أستحم بعد إنهائي من العمل لأن رائحتي “ليست جيّدة، مزعجة…إلخ.”

كم كان شعوري سيء، شعرت أحياناً بالاكتئاب. كل هذا ولّد شعوراً سيئاً تجاه جسدي.

في كل مرة أصل فيها إلى المنزل، يخبرونني أن في المنزل “رائحة كريهة أتت منكِ.” في كل مرة أخرج من الغرفة، يقولون أن رائحة الغرفة كريهة. أنظّف المرحاض لكن يقولون أن رائحته كريهة بسبب رائحة جسدي.

كانت تقول صاحبة العمل أنه يجب عليي تغيير نظام الأكل الخاص بي، لأن رائحتي مرتبطة بالطعام الذي أتناوله. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، من الصعب التأقلم مع الطعام التقليدي لبلاد جديدة وصلت إليها للتو. كان أمراً صعباً أن أتقألم وأن أتناول ما كانوا يتناولونه السكان المحليين.

كلاير (الكاميرون)

عندما نتحدث بهذا الموضوع عن شخص أسود، دائماً مايكون الحديث مهيناً. يتحدثون عن الموضوع معك بطريقة غير لبقة للغاية لكي يشعروك بالعار. وبنفس الوقت، الشخص الذي يخبرك أن لديك رائحة جسد كريهة، هم لديهم أيضاً رائحة جسد كريهة ولا يستحمون.

يحبون إخبارك أنك على خطأ ولكنهم يعانون من إخبار أنفسهم أنهم ليسوا على صواب. هل رأيت من قبل امرأة لبنانية تخبر أختها أن رائحتها كريهة؟ لا، لا يتكملون مع بعضهم بهذا الأسلوب. يتعاملون مع الأمر بسلاسة. لكن يقولونها علناً معنا، وكأنهم يلقون السلام علينا. و دائماً يقولونها بأسلوبٍ مهين. دائماً.

غايل (الكاميرون)

بدأت بالعمل في منزل عائلة لا تعرف شيئاً عن الإنسانيّة. توضّحت لي وحشيتهم بعد تحمّلي لكل الانتقادات والشتائم في المنزل. في بداية الأمر، ظننت أن الانطباع الأول كان سيئاً، فالعمل المنزلي كان أمراً جديداً بالنسبة لي. حاولت أن أكون صبورة، أن استمر بالعمل، لعل شيئاً ما يتغيّر (…) من طبعي أن استحم في الصباح وفي المساء، هذه هي عاداتي التي حملتها من إفريقيا. لكن في ذلك المنزل، أدركت أنه عليّ القيام بروتين النظافة الشخصية خاصّتي في الصباح ومن ثمّ أداء عملي.

كان من الواضح أنَّ صاحبة العمل مستاءة ومتضايقة من الحياة. كانت تعاني من مشاكل مع الغضب. كانت تعاملني بطريقة غير انسانية، ولكن أولادها كانوا دائماً يخلقون لها الأعذار لتبرير سلوكها المسيء تجاهي: “هذا طبعها” “اليوم هو ذكرى وفاة زوجها” “مزاجها معكّر اليوم” (…) “والدتنا كبيرة بالسن…”

ولكن في يوم من الأيام، كنت أقوم بعملي عندما خرجت من غرفة نومها، كانت الساعة بين الثامنة والثامنة ونصف. كانت تحدّق بي، تمكنّت من رؤيتها دون علمها. (…) في كل مرة نظرت لي، كانت تأخذ مسافة مني، حوالي مترين أو ثلاثة، وكانت تقول: “رائحة هذا الشيء كريهة.” تغلق أنفها بيدها وتقول: “الرائحة كريهة. هل استحميّتِ؟” شعرت بصدمةٍ شديدة، لم أستطِع الكلام. لقد أهانتني من قبل وعاملتني بطريقة وحشية من قبل، لكن الأمر هذه المرّة كان مختلفاً، فظيعاً.

ظننت لنفسي: “يا إلهي، أنتِ معتادة على إخبار الأخرين أن رائحتهم كريهة، لكن أسلوب حديثك معي مختلف، فأنتِ تستعملين كلمة “شيء” عندما تصفينَ رائحتي. كأنني لستُ من البشر، كأنني حيوان، كأنني قطعة من الورق “ذو رائحة كريهة.”

لم أرِد أن أفقد أعصابي ذلك اليوم، كنت أعمل هناك لمدة شهرٍ ونِصف، أسمعتني خلالها الكثير من الإهانات. لم أقل شيئاً، كنت أتوهّم الأمر. سألت نفسي: “في أيّ واقع نعيش، حيث تتم الإشارة لإنسان كأنه “شيء؟” أردت البكاء، وأردت أيضاً أن أقف لنفسي، ولكن أقف في وجه من؟ فقد قالت ما قالته. جاؤوا أولادها وحاولوا تهدئة الوضع. لم أستطِع الاستمرار بالعمل في ذلك المنزل، وبعدَ بضعة أيام، قررت أن أترك العمل. قام ابنها بتهديدي : كنت على دراية بما أرد أن يفعل، كان يريدني أن أقوم بسلوكٍ سيء. عندما أخبرني بنواياه، أدركت أن الأم تعتبرني حيوان وأن الابن يحرّضني للقيام بأمر لا يمكنني حتى تخيّله. إذا رفضتم أن تروني كإنسان، لا يمكنني الاستمرار بالعمل لديكم (…) وهكذا، أنهيت خدمتهم بعد شهرين فقط.

ليومنا هذا، لا زلت أرجف عندما أذكر صورتها خارجةً من الغرفة، تصفني بكلمة “شيء.” (…) لا أزال أعاني من الصدمة النفسية جرّاء هذه الجملة.

كلوي (الكاميرون)

هذا الموضوع حقيقي وصادم للغاية، يُقالُ لنا دوماً أنّ رائحة أجسادنا كريهة.

بحكمِ عملنا في مركزٍ لرعايةِ الأطفال، نحن على تواصل مستمر مع الأطفال. في البداية، مُنِعَ علينا لمس الأطفال لأن “رائحتنا كريهة.” من بعدها، أصبح من اللازم الابتعاد عنهم. عندما جاؤوا الأهالي، طُلِبَ مننا أن نحافظ على مسافة بيننا وبينهم، وفي بعض الأحيان كان الخروج للقائهم ممنوع حتى. هذا أمر مؤذي نفسياً، بل مهين. كأن البشرة السوداء أمرٌ وسِخ. سمعت جملةً مرّة لن أنساها أبداً: “أغلقوا أنفوكم عند المرور من حدِّهم.”

نانا (الكاميرون)

كنت أعمل في منزلٍ لم يُسمَح لي أن ألمس الأشياء بسبب بشرتي السوداء. قيلَ لي أني بإمكان بشرتي تغيير لون أغراض المنزل.

كان لدي كرسيّ واحد، كأس بلاستيكي (…) مخصصٌ لي. ملعقة واحدة، شوكة واحدة، سكين واحد وصحنانِ، كلهم مصنوعون من البلاستيك القابل للتحلل. تخيل نفسك تعيش في هذا المكان، حيث يحظر عليك أصحابه لمس أي شيء، هذا المكان الذي أحضروكَ إليه، هم بأمس الحاجة إليك. هل تتخيل كيف سيكون شعورك؟

أذهب أحياناً إلى اجتماعات اللبنانيين. هناك مرة دخلتُ فيها إلى الغرفة، فقام بعض اللبنانيين وضعَ قناعٍ طبيّ. عندما تكلّمت، قام بعضهم بوضع قناعٍ طبيّ ثانٍ. أتتخيلون ذلك؟

تخيل أن بالغرفةِ خمسون شخصٍ، ولكن أنت الشخص الأسود الوحيد. يطلقون عليكَ ألقاباً مهينة وينادوكَ بالقرد ولا تستطيع أن تقولَ كلمة واحدة. تخيّلوا هذا الشعور!

أفكر بالموضوع كل يوم، قبل النوم وعند الاستيقاظ، لكن أرفض أن أتلقى أوامر من الناس.

في الكنيسة أيضاً، كان هناك سيّدة لا تلقِ السلام عليّ، ودائماً في كل مرّةٍ أتحدثُ بها عن أمرٍ ما، ترد بما يخالف ذلك الأمر. كل ذلك فقط بسبب لون بشرتي.

أجل، إنّ الموضوع يتخطى رائحة الجسد. يعاني الشخص ذو البشرة السوداء عموماً على أيادي الأشخاص ذو البشرة البيضاء، في بلاد الأشخاص ذو البشرة البيضاء. لذا، هذه رسالتي: علينا التصدي لهذا الأمر ومنع حدوثه! نحن بشر مثلهم، ويجب علينا خلق مكان لأنفسنا بأيّ ثمن. لأننا مثلهم، وهم مثلنا. كلنا بشر. لدى أجسادهم روائح، حتى لديهم مشاكل مع بشرتهم لا نعاني منها، حقاً. زيادة الوعي عن الموضوع أمرٌ ضروري.

سيبرين (بنين)

رؤوس أولئك الأشخاص فارغة. لاشيء على الإطلاق. عشت في منزل لمدة 13 سنة، وتحليّت بالكثيرِ من الصبر. كانوا يقولون لي أن رائحتي كريهة بكل جديّة. كانوا يطلبون مني أن أرتدي وشاح كي أغطي شعري في المطبخ. من الواجب أن أرتدي قفاز عندما أغسل الصحون، وحتى عند تنظيفي للحمام. في كل مرة أرتب السرير، يُقالُ لي: أرتدي قفازّاً.

قلت لها : ” سيّدتي، إن كانت رائحتي كريهة، إذا كنت أنا الشخص النتن في المنزل، لابد عليكِ من تركي للذهاب. لو كان كل مكانٍ أذهب إليه في المنزل تصبح رائحته كريهة، إذاً لن تواجهين هذه المشكلة إن أطلقتِ سراحي. ” وهكذا بدأت الحرب!

عندما أطبخ، يجب أن يكون شعري مربوطاً ربطاً شديداً. حتى إن كنت نظيفة، يُطلب مني أن “أرتدي الوشاح، أضع القفاز. “

قلت لها: “لا سيدتي، إذا دفعتكِ عنصريتك لدرجة التفكير بأن رائحتي كريهة… فعليكِ أن تتذكري أنني أنا من أطبخ في هذا المنزل و في ثلاثة منازل أيضاً. أطلِقي سراحي، سيدتي.” بالطبع، هي لا تريد ذلك، فقد عمل في هذا المنزل سبعةَ عشرة عاملةٍ منزليةٍ قبلي. كنت أنا الثامنة عشرة. واستمر الوضع كذلك لثلاثةِ أو أربعِ سنوات.

من بعدها، قررت أن أستقيل. لم أرِد أن أرتدي قفازاً ولا وشاحاً من أجل هذه الوظيفة. كنت أضع مزيل العرق الذي اشترته لي ووضعته على الطاولة، قلت لها: “ضعيهِ على نفسِك ! أتقولين ذات الشيء لأولادك؟ ماذا عنكِ، رائحتك ليست كريهة أبداً ؟ مرّ عليكِ أسبوعانِ من دون استحمام، وتجروئين أن تقولي لي، أنا من يستحم كل صباح، أن رائحتي كريهة؟ أيُعقَل ذلك؟ “

حتى في الصباح، رائحتها كريهة لدرجة لا يمكن لأحدٍ أن يتنفس حولها، لكن بالنسبةِ لها أنا ذات الرائحة الكريهة. حتى لأحفادها تقول أن رائحتي كريهة.

أنجبت ابنتها مؤخراً، ولأن الأطفال يحبّون مرافقتي، كان من المفترض أن أقوم برعاية الطفل. قلت: “لا، رائحتي كريهة، لا أريد للطفل أن يلتقط جراثيمي.” في هذه اللحظة بدأت حرب حقيقية. قلت: “أنا أستقيل، فأنا لا أقوم برعاية الطفل، بتدبير منزل طفلك، ولا أطبخ في ثلاثة منازل أخرى، كل ذلك وأنا أسمع تعليقات عن رائحتي. إذا كنتِ تعتقدين أن الطعام الذي أطبخه لكِ سيعديكِ، فأعلمي أن رائحة أطفالك ستصبح كرائحتي ” عندما قلت ذلك، ضحكِت (الابنة). منذ تلك اللحظة، أصبح سلوك صاحبة العمل أقلَّ عنصريةٍ وصرت أحظى ببعض السلام. منذ تلك الحادثة، بقيت بضع سنين. عملت هناك لمدة 13 سنة. هكذا كان الأمر، هذه عنصريتهم (…)

هناك أشخاص تشعر بالضيق عند سماعهم لصوتك. كنت في سيارة أجرة أتحدث على الهاتف، صرخ السائق وطلب مني الخروج من السيارة، سألته ما الخطب، شتمني وقال لي أن أخرج. (…) هذه عنصريتهم وستبقى كذلك. هذه وقاحتهم، يالقباحة الأمر، كم هو مؤذٍ. كنت أبكي، أبكي كثيراً.

عندما أراهم في غرفة المعيشة، لا أريد أن أدخل لأنهم كانوا يطلبون مني أن أضع قفّازاً قبل الدخول. قلت: “لا، لن أدخل، لا أريد وضع قفازاً.” هكذا بقيت في المنزل 13 سنة على الرغم مني.

مؤلم حقاً، مؤلم. بكيت وبكيت، لم أعرِف ماذا كان عليّ أن أفعل، فرائحتي ليست كريهة، ولا حتى رائحة ملابسي، ولكن هي من كانت رائحتها كريهة. فهي كانت لا تستحِم لثلاثة أيام، أما أنا فكنت أستَحِم في كل صباح، ولا زلت أنا ذات الرائحة الكريهة بالنسبة لها. الأمر حقاً سيء، بجديّة. كونوا أقوياء، ارفعوا الرؤووس، حتى ولو كان الأمر مؤلماً.

شانتال (الكاميرون)

بالنسبةِ لموضوع العنصرية في لبنان، لا أعتقد أن هذه العقلية ستتغير. أنا على إيمان أن العنصرية والتمييز قد استعمرت عقولهم. عانيت من موضوع رائحة الجسد كثيراً. أكثر ما يصدمني أنه، في أغلب الأحيان، الأشخاص الذين ينتقدون هذا الموضوع، ينسون أن لديهم رائحة جسد أيضاً وأنه علينا أن نتحملها.

لا أريد التحدث عن قصصٍ قديمة، لكن مؤخراً، كنت أعمل لدى سيدة. كنت أقوم بكل المهام في منزلٍ مهجور. بعد انتهائي من تنظيف الحمّام، قالت لي أن في الحمام رائحة كريهة. قلت لها كيف حصل ذلك؟ عند وصولي، لم يكن هناك رائحة في الحمام، ما الذي جعل رائحته الآن سيئة بعدما أن قمت بتنظيفه؟ سألتها إن كنت أنا السبب، أجابت “لا أعلم، يجب عليكِ أن تخلطي المنظفات جيداً” رفضت الأمر، وانتهى الأمر هناك.

كانت السماء تمطر منذ بضعة أيام، فأخذت سيارة أجرة. بعد أقل من 5 دقائق، أشعل السائق سيجارته، وسألني أنا والامرأة الجالستان في المقعد الورائي إن أردنا التدخين. كلانا رفضنا. في لحظة خروج الإمرأة من السيارة، قام برَشّ السيارة بالكامل بالعطر. طلبت منه أن يوصِلَني في مكانٍ معيّن. قال لي أنه لا يستطيع وأنه يريد أن يوصِلَني إلى مكانٍ أخر. قلت له أن هذا أمرٌ غيرَ مقبول، أنا أريد أن أنزل من السيارة في هذا المكان، لا أعلم من أنت وإلى أين ذاهب، دخلت السيارة ولكنك تقوم برشّ كزيل العرق في كل السيارة. أنا لا استعمل مزيل العرق أو العطر ابداً، فخرجت. لمجرد أن لديك بشرة داكنة، يظن الجميع أن لديك رائحة جسد كريهة. نادرون هم الأشخاص الذين يتساهلون مع الموضوع، يتساهلون معنا. أولئك الذين لا يتساهلون معنا، ليس لديهم خيار. ففي بالهم فكرة مسبقة، أنه لا بد من أذيتنا نفسياً في أقرب فرصة متاحة. أما أن فأضم صوتي لأصوات من يحاربون لهذا الموضوع. لدي الكثير من القصص كهذه عن العنصرية والتمييز في الحفلات، في البقاليات، في المواصلات العامة، وفي العمل في المنازل.

أنياس (الكاميرون)

أول منزل عملت فيه في لبنان كان في حيّ الأشرفية. صُدِمتُ بشدة و تعرضت للأذى. لا أزال أشعر بالأذى ليومنا هذا

أصحاب العمل كانوا أجداد العائلة، أولادهم كانوا متزوجين وكان لهم أحفاد. كان في منزل الأولاد عاملات منزليات من الجنسية الفليبينية، وكنت أنا وحدي ذات بشرة داكنة تعمل لدى العائلة.

عندما وصلت في البداية، قامت العائلة بعرض الغرفة الصغيرة المخصصة لي. كنت أنام على الأريكة، وكان لدي صحنٌ واحد، كأسٌ واحد، ملعقة واحدة وشوكة واحدة، كلهم من البلاستيك. كان من الممنوع أن أجمع أغراضي مع بقية أغراض المنزل. أما الكرسي المتاح لي كان كرسي بلاستيكي من دون ظهرٍ أو ذراعين، فاضطررت لأن أكل وجباتي في المطبخ على الكرسي البلاستيكي.

في البداية، لم يُسمَح لي الخروج، لم يكن لدي تواصل مع العالم الخارجي، فظننت أن الوضع كان مماثلاً لوضعي في كل مكان. لكن عندما كانت النساء الفليبينيات تزرن المنزل مع الأحفاد، سُمِحَ لهن الجلوس في أي كرسي في المنزل. كن يدخلن أي غرفة شئن، يجلسن في أي كرسي، على أي سريرٍ.

شعرت بالأذى الشديد لسماعي ذلك، وفوجئت عندما شدد الأحفاد علي ألّأ أجلس على الكراسي، مطلقاً. عندما كنت مع الفليبينيات، عندما كانوا الأولاد يلعبون، كن الفليبينيات يدخلن جميع الغرف، وكنت أنا أجلس على السجاد، على الأرض. هكذا كان الأمر. كنت أنظف الكراسي التي لم يُسمَح لي الجلوس عليها، أما الفليبينيات اللواتي كن عاملات منزليات مثلي، سُمِحَ لهن الجلوس على الكراسي. أما أنا فلا.

بالإضافة إلى ذلك، عندما كانوا يقتربون مني، خصوصاً زوجة الابن – إن رأيتها مجدداً اليوم، لا أدري ماذا قد أفعل أو أقول لها – كانت تقوم بأي شيء لتشعرني أنني أقل من البشر. كانت تغلق أنفها عندما كانت تقترب مني. حتى في زمن ما قبل فايروس الكورونا، كانت ترتدي قناعاً طبيّاً حولي. كنت أستحم في الصباح وفي المساء وقتها، أحياناً أكثر من مرتين في اليوم عندما كنت أعمل كثيراً. (…) ومع ذلك، كانت تغلق تلك السيدة أنفها، ترتدي قناعاً طبيّاً، وتقف بعيداً عني ولم تتجرأ أن تلمسني. كأنها كانت تتعامل مع المخلفّات. شعرت بعدم الارتياح بشدّة في عملي لدى تِلْكَ العائلة لدرجة أنني مستعدة لرواية قصتيّ علناً، إن سنحت لي الفرصة، حتى سأدلي بأسمائهم وسأروي كلّ ما يخطرعلى بالي عنهم.

في عملٍ أخر، بدوامٍ جزئي لدى شركة. كنّا نتنقل بين البيوت لنقوم بعملنا. كان هناك منزل عملت فيه في مونتفيردي، كانوا الزبائن من المملكة العربية السعودية، وأظن أن العائلة كانت من الأمراء

قبل وصولي، توضّح لي أنهم شددوا على حاجتهم لعاملات من الجنسية الفيلبينية أو من ذوات البشرة الفاتحة، ولكن أصحاب العمل أرسلننا نحن النساء من الجنسية الكامرونية لأننا كنّا دقيقين أكثر في عملنا، وكان معنا بعض الأشخاص من الجنسيات اللبنانية والمصرية. كان المنزل ضخماً (…) وفي يوم، كن نحن فقط من الجنسية الكامرونية (…) كنا نعمل، وكانوا الأطفال في غرفة أخرى. عندما عَلِمَوا الأطفال أننا في المنزل، شعروا بالغضب الشديد وقاموا بالصراخ والركض لإحضار أقنعتهم الطبيّة، وكأنهم شّهِدوا شيئاً فظيعاً وقاموا بإغلاق أنوفهم. كان ذلك قبل ثلاث سنواتٍ من انتشار فايروس الكورونا، لم يطّرّح أحدهم عن دواعي ارتداء الأقنعة الطبية. بعد ذلك، توقفنا عن العمل في ذلك المنزل. أرسل صاحِبُ العملِ عاملات منزليات ذوات بشرة فاتحة. شعرت بالأذى، بالإهانة… الحياة في لبنان صعبة.

بالمناسبة، عندما كنت أعمل لدى تلك العائلة في حيّ الأشرفية، كان صاحب العمل يستحم مرتين أو ثلاث في الأسبوع، بينما كانت السيدة تستحم مرة في الأسبوع، في فصل الصيف! تحديداً في يوم السبت، أعلم ذلك لأنها كانت لا تستطيع الاستحمام دون مساعدتي. كنت أنا التي أساعدها بتحضير الحمام. رافقتها لكي أقوم بفرك جسدها لأنها كانت تعجز عن الانحناء. كان لديها مشاكل صحيّة، لذا كانت تستحم فقط أيام السبت في الصيف، أما في الشتاء فكانت تستحم يوم سبتٍ دون الآخر، أي كانت تستحم في الشتاء مرتين بالشهر، وأربع مرات بالشهر في الصيف.

لكن كانوا يقولون لي أن رائحتي كريهة، أنني وَسِخة، ولذلك لم أستطِع الجلوس على الكراسي، لم أستطِع لمس أشياء المنزل، لم أستطِع الاختلاط مع الأخرين، لم أستطِع البقاء مع الأخرين لأنني أنا من كانت رائحتي كريهة ولم أكن “نظيفة” كفاية.

ذهبت مرة إلى منزل زوجة الابن، تلك التي كانت تغلق أنفها عندما تراني. فقد كانت العاملة المنزلية التي وظفتها في إجازة سفر، وكان هناك حفل في المساء، لذا كنت أنا أقوم بالمساعدة لتنظيف الصحون. طول المساء، قمت بتنظيف الصحون والمطبخ، وفي كل مرة أردت أن أتناول شيئاً، أعطونني صحناً للرمي. عندما أنهيت الطعام، قمنا بوضع الصحن في كيس للقمامة مع بقيّة المخلفات.

بينما كان الجميع يستعملون صحوناً راقية ونظيفة، كُنتُ أعامل بهذه الطريقة. كانت تلك المرة الوحيدة التي عَمِلْتُ في منزلها.

برينسيس زولي (الكاميرون)

عانيت كثيراً في لبنان. في كل يوم، كانت تقول لي صاحبة العمل أن رائحتي كريهة. كنت أنظف المنزل وأرش عطراً فيه، ومع ذلك، تقول لي أن رائحتي كريهة. كنت أغسل الملابس بيداي (…) كنت أستحمّ ثلاث مراتٍ في اليوم، لكنها كانت تقول ذات الشيء.

إن قلت لكم أنني عانيت في لبنان، صدقوني. عملت في ثلاث منازل هنا.

في منزل السيدة التي تعيش لوحدها، تقول لي صاحبة العمل أن رائحتي كريهة. في منزل الرجل، الأطفال هناك يقولون لي أن رائحتي كريهة.

لقد تغير مكان توظيفي، في منزل رجل جديد. كان لديه زوجة وثلاث أطفال. ابنتان اثنتان وابن. كانت الزوجة والأولاد كلاهما يقولون لي أن رائحة جسدي كريهة.

كنت أصلي في الصباح وفي المساء ألا أسمع ذلك مجدداً. كانت تشتري لي السيدة الكثير من العطر وكنت أضعه لأنه يُقالُ لي أن رائحتي كريهة. لا أعلم ما هي الحقيقة، الله فقط يعلم. أنا لا أعلم. اتصلت بأقاربي في الكاميرون، و أعطونني وصفة كامرونية لأحضرها وأشربها. كنت أحضرها و أشربها في الصباح والمساء. ومع ذلك، كان يُقال لي أن رائحتي تلتصق في المنزل. ولكن ماهي الرائحة في المنزل؟ الناس يأتون إلى المنزل ولا يقولون شيء بخصوص رائحتي، أليس كذلك؟ الكارثة فقط عندما كانت السيدة معي في المنزل. دائماً كانت تقول لي أن رائحتي كريهة.

الطريقة التي تخلصت من الأمر بها هنا في لبنان هي قدرتي على أن أستقيل من العمل. لا أعتقد أنني كنت سأنجو لو لم أترك المنزل. شعرت أنه هناك حبلاً مربوطاً حول عنقي. لكن الله عظيم، حقاً عظيم.

غريس (كينيا)

عندما جئت لأعمل في منزل صاحبة العمل، عندما وصلت، لم تعطني حتى وقتاً لكي أعمل ولم تُريني ما يجب عليَّ أن أفعل. كل ما فعلته هو إهانتي طوال الوقت، تقول لي أن رائحتي كريهة وأنني بقيت دون استحمام ثلاث سنوات. كان شعوري سيء لأنني أعرف نفسي وأعرف أن هذا الأمر غير صحيح، فأنا أستحم ثلاث مرات في اليوم، لذا شعرت بالألم جرّاء ما قالته. لم أرد على إهاناتها، بالفعل، تركت منزلها وعدت لمنزلي. لم أرِد أن أجادلها أبداً لأنني أعرف كيف أحترم البشر.

شارك هذا :