RIP Alem Desisa متى تغضبون

أخبار ومستجدّات

لطالما واجهت صعوبة في شرح الأسباب التي تؤدي بعاملة وافدة إلى لبنان للعمل في الخدمة المنزلية للموت إنتحارا

والصعوبة الأكبر التي كنت أواجهاها هي عندما كانت الفتاة ” تنتحر ” أي تقتل و يلفق لها بعد مماتها أنها إنتحرت لحماية الموظف/ة اللبناني/ة من الملاحقة
 
دئبنا في حركة مناهضة العنصرية على رصد حالات الإنتحار بين الوافدات إلى لبنان وفي كل مرة يصلنا خبر موت إحداهن يكون معنون : “إنتحرت العاملة الأجنبية من التابعية الفلانية شنقا أو قفزا أو حرقا أو … في محلة الجديدة ” 
تتحرك المجموعة في الحركة لتقصي الخبر وتبحث في المنطقة المذكورة عن المبنى التي توفيت فيه العاملة ومن ثم يتم محاولة سؤال الجيران والمحلات المحيطة عن مشاهاداتهم عن ال”منتحرة” من ثم نتوجه لمخفر الشرطة لطلب معلومات التي لا يعطونا إيها ومن ثم نرجع لنقرع باب الموظف لنسأله كيف ولماذا إنتحرت
 
وفي كل المرات التي كنا نفعل فيها ذلك وحتى عندما كنا نوفق في الحصول على تقرير الشرطة ومقابلة الموظف كان التقرير كما يقولون بالعامية: ستاندر 
 
يعني٫ يذكر التقرير أنه تم الإبلاغ عن حادثة إنتحار فحضرت القوى الأمنية وكشفت على الجثة بحضور الطبيب الشرعيالذي أعطى تقرير أنه لم يجد أي علامات عنف أو إغتصاب أو مقاومة مما يعني أنها إنتحرت
 
والمضحك أن أغلب الجثث لا تفحص لمعرفة إن كانت تحتوي على مخدر إلا إذا طلب من الطبيب ذلك وبكلفة تصل إلى مئتين دولار تدفعها الجهة التي طلبت ذلك لا الدولة اللبنانية.. ويغلق الملف بعد التحقيق الستاندر وتطلب من السفارة أو القنصلية منح الأذن لتسفير الجثة
 
ثلاثة سنين ونحن نطلع على هذه التقارير وفي ثلاثة سنين لم يتغير شيىء إلا إذا ذكرنا أن في واحد من التقارير الشرطة كتب : وقد وجدت جثة العاملة النيبالية من التابعية الأفريقية … 
 
..لا الإعلام تغير في طريقته في الإبلاغ عن الموضوع 
لا الشرطة حركت ساكنا للتحقيق بشكل مهني 
لا سفارات بلادهن أنصفتهن . ولا أحد حرك ساكنا … 
 
اليوم تموت عاملة أخرى 
لكن اليوم حزني هو على غير عادة 
لأنكم اليوم تعرفون من هي وشاهدتموها تموت 
 
اليوم كلكم بلا إستثناء قتلتموها 
..قتلتموها حين سكتم عن قانون لا يحميها.. قتلتموها حين لم تحركوا ساكنا عندما إستقال وزير كان يقاتل لإلغاء نظام إستعبادها القانوني المسمى كفالة.. قتلتموها حين هزئتم حين رئيتوها تسحل في الشارع وتضرب… قتلتموها حين إكتفيتم بالشير على الفايسبوك والإستنكار من وراء شاشات حواسيبكم.. قتلتموها حين عاملتم أخواتها بعنصرية.. حين منعتوهن من السباحة في مسابحكم… من التسوق في محلاتكم…  من الأكل على مائدتكم 
رفضتم إعطائهن يوم راحة أسبوعي.. رفضتم أن يأكلن طعامهن أن يمارسن حياتهن الطبيعية مع عدم التقصير في واجباتهن تجاهكم 
 
حين صادرتم جواز سفرهن… حين ناديتوهن بإسم جنسيتهن لا إسمهن الحقيقي 
حين لم تسمعوا شكواهن في مخافركم.. حين إغتصبن ولم تنصفهن محاكمكم 
حين لم تدفعوا لهن راتبهن أو سكتم… حين أركبتموهن المقعد الخلفي لسيارتكم لأنكم تستحون من جلوسهن بجانبكم 
 
قتلتوها حين فضلتم الجلوس في بيتكم ومع روتينكم عوضا عن النزول في تظاهرة مطلبية تطالب بحمايتهن 
حين لم تدعموا إقتراح أن ينضمن لقانون العمل 
حين قبلتم أن تأتي إليكم عبر خدمات ما يدعى بمكتب الإستقدام الذي هو مكتب بيع وشراء عبيد يتاجر بهن 
 
قتلتوها حين لم تسألو ما الذي دفع بها وبغيرها للإنتحار؟ 
ما الذي دفع إمرأة تركت عائلتها على بعد ألاف الآميال وتركت أولادها وبيتها وأرضها وأصدقائها وربما حبها الأول وإستدانت آلاف الدولارات وهربت إلى لبنان عبر مطارات دبي وقطر والسعودية ودمشق وعمان إلى بيروت ونامت على الأرض في المطارات وحشرت في غرف صغيرة في قاعات الإنتظار لتصل إلى بيروت وتساق كالغنم وتسلم ليد مكتب الإستقدام ليبيعها للعائلة التي تدفع آلاف الدولارات وتعتبرها ملكيتها
 
ما الذي دفع بهذه الإمرأة  للإنتحار وهي التي عانت من كل هذا لتعمل و تستحق المئتين دولار شهريا و ترسلها لأمها و أبها العجوز 
أو إبنها وإبنتها ليحصلو على عيش كريم ويدخلو المدرسة 
أو زوجها ليؤسس عملا يدفع عنهم شبح الفقر 
أو أخيها لكي لا يتسول في الشوارع 
أو لتتابع تعليمها حين تعود لبلدها الأم 
 
هل فكرتم أنه من الممكن أن تكون قد إشتاقت لأهلها ولم يسمح لها بالإتصال بهم؟ 
هل فكرتم أنها عملت لمدة ١٧ ساعة يوميا بلا هوادة؟ 
لم تقبض راتبها لمدة سنتين فتشرد ولدها أو مات وذل أهلها وضاعت فرص أمامها؟ 
إغتصبت ؟  ضربت؟
لم يسمح لها بممارسة معتقداتها وتقاليدها؟ 
عملت في ثلاثة بيوت؟ 
لم يسمح لها بالخروج مرة واحدة من البيت؟ 
لم يسمح لها بزيارة بلدها في فترة ثلاثة سنين؟ 
لم تأكل إلا مرة يوميا؟ 

نامت على البلكون و على الأرض؟ 

 

أليست كل هذه أسباب كافية للإنتحار؟ 
ألم يقتلوها عندما مارسوا كل هذا؟ 
أيحتاج الدركي اللبناني إلى شرلوك هولمز ليحقق في هذا كله وهو من البديهيات؟ 
ألم يقتلها عدم تدخلكم حين رأيتم واحد من هذه الأشياء تحصل أمام أعينكم وأكملتم حياتكم كأن شيئا لم يحصل؟ 

وعندما ماتت ألم تقتلوها مرة ثالثة؟ 

المرة الأولى عندما لم تنصفوا أخواتها
المرة الثانية عندما لم تحركوا ساكنا من أجلها
والمرة الثالة عندما ماتت لم تذكروا حتى إسمها؟
 
تقول لي جدتي الساكت عن الحق شيطان أخرس
عاليم ديسيسا اليوم هي ضحية شيطانكم الأخرس
متى ستقررون أنكم لن تشاركو في الجريمة بعد الآن؟ جريمة الشيطان الأخرس؟
إن لم تغضبوا الآن فمتى تغضبون؟ 
 
علي فخري- حركة مناهضة العنصرية-
 
دلالات :
شارك هذا :

مقالات مشابهة

لديك أي أسئلة؟

للاستعلام عن هذا البيان والسياق ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني أو املأ النموذج.