قبل كل أي شيء، قلوبنا مع الأرواح التي سقطت في القاع وفي اسطنبول وفي كل مكان آخر.
ما حصل في بلدة القاع نتج عن جرح عظيم، جرح عالمي نشاهده اليوم، نحن الذين شاهدنا ذلك في الماضي، ونحن الذين من المرجح أن نشاهده في المستقبل.
لكننا أيضا رأينا استغلالاً روتينياَ لهذه الآلام والاحباطات والغضب والخوف بهدف:
– تمزيق المجتمعات وبث التفرقة؛
– تشجيع كراهية المهاجرين والخوف والعزلة؛
– خلق المزيد من التبعية لصالح الأنظمة وسياساتها غير العادلة، وترسيخه، وتعزيزه؛
ولكن أولئك الذين يدفعون أفدح الأثمان هم الأضعف بيننا.
عذاب أهل بلدة القاع يجري اليوم توظيفه لصب الغضب بحماس واندفاع على اللاجئين.
السوريون والفلسطينيون والسودانيون والعراقيون، وغيرهم من اللاجئين، ممن هم بالفعل مهمشون وموصومون، يواجهون جولة جديدة من العقوبات الجماعية والتمييز والإذلال والتجريد من الإنسانية.
ولكن حقيقة الأمر هي أنه في لبنان، ليس اللاجئون من ينتهك القوانين الأساسية فيه، مثل تمديد ولاية مجلس النواب، أو خصخصة شواطئنا، أو الاعتقال من دون أي تهمة. وليس اللاجئون من ينكر حقنا في الحصول على خدمات عامة فعالة، وعلى الهواء النقي، والسكن المستقر بأسعار معقولة، كل ذلك ضمن دولة فعالة وعادلة. وليس اللاجئون من يحرم الموظفين والمعلمين من سلسلة الرتب والرواتب. وليس اللاجئون من يرفض الكشف عن مصير القتلى والمفقودين خلال الحرب الأهلية. وليس اللاجئون من يحجب بشكل منهجي عن المرأة الاحترام والمساواة في الحقوق. وليس اللاجئون من يمارس نظام الرق الحديث المعروف باسم نظام الكفالة. وليس اللاجئون من يحرمنا من حقوقنا الثابتة في الحرية والكرامة وتقرير المصير.
كل ذلك لا يحصل فقط في لبنان، إنما هو جزء من موجة عنصرية عالمية تطال اللاجئين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها، مع تصاعد اليمين الفاشي. فترامبيو (نسبة إلى ترامب) وباسيليو (نسبة إلى جبران باسيل) هذا العالم، مع خطاباتهم البشعة، وسرقتهم للثروات، وباقي جرائمهم ومخازيهم، وهي كثيرة، يتلاعبون بنا. أكثر من ذلك، فمع كل مراكزهم وغطرستهم، يحاولون ارغامنا على الاختباء خائفين في بيوتنا، في وقت يحترق فيه العالم، فيما نحن نأمل، من جانبنا، ألا ننضم الى الأعداد الكبيرة من القتلى واللاجئين.
انطلاقا من هذه الحقائق التي لا يمكن إنكارها، نعلن نحن الموقعين أدناه، بكل حزم، ما يلي:
-إدانة استخدام الخوف الأمني المشروع لدى المواطنين من أجل إطلاق أبشع المواقف العنصرية ضد اللاجئين السوريين في وسائل الاعلام وعلى المنابر السياسية.
-إدانة صمت المنظمات الإقليمية والدولية، التي فشلت فشلا ذريعا في حماية حقوق مجتمعات اللاجئين في لبنان والمنطقة وفي أي مكان آخر.
ونطالب نحن الموقعين أدناه، بشكل لا لبس فيه بـ:
– وضع حد لجميع أشكال العقوبات الجماعية والتمييز والتهميش والوصم والقمع الموجه ضد الفئات الأكثر ضعفاً في مجتمعاتنا، خصوصاً اللاجئين الذين يواجهون اليوم الوطأة الثقيلة، والمرعبة، التي ينزل بها عليهم كلٌّ من هذا الخطاب وهذه الممارسات.
– أن تتحمل البلديات مسؤوليتها في حماية اللاجئين ضمن نطاقها البلدي، ومنع التعدي عليهم، والتراجع عن كل التدابيرالمخالفة للقانون وحقوق الانسان، وعلى رأسها قرارات حظر التجول للسوريين.
– الاعتراف بالحقوق والواجبات المستحقة للاجئين، والمجتمعات الأكثر تهميشاً، والضمان الفوري لكل منها، من خلال التنفيذ الدقيق للاتفاقيات والقرارات الدولية، التي تنص عليها.
– محاسبة جميع المسؤولين السياسيين المحرضين على الكراهية ورهاب الأجانب.
– مطالبة جميع الأطراف السياسية والعسكرية اللبنانية، التي تتدخل في الشأن السوري، بالاعتذار والتوقف الفوري عن المشاركة قي قتل السوريين، وتدمير بلدهم.
لا يمكن لنضالنا أن يتوقف مع ضمان حقوق اللاجئين. يجب أن يمتد ليشمل أيضاً ضمان حقوق العمال والفلاحين والنساء وكبار السن، جميعاً، بغض النظر عن أي طبقة، أو عقيدة، أو طائفة، أو جنس، أو عرق ينتمون إليه. إنها معركة نضالية واحدة.
هناك أولئك الذين واللواتي- بصرف النظر عن وحشية وقسوة النظام الذي نعيش في ظله- يستمرون في القيام بأعمال فيها الكثير من التعاطف، والانسانية والتضامن، حيال الفئات الأكثر هشاشة.
أنتم كثر. أكثر بكثير مما تتوقعون، مختفين ومختفيات، خلف الاصوات الصاخبة للكراهية والارهاب.
لكننا لا نزال نسمعكم ونسمعكن.
وأعمالكم/ن، مهما كانت متواضعة أو، على العكس، واضحة، وجريئة، هي مصدر إلهام لنا.