العنصرية والتنكيل باللاجئين ليسا غريبَيْن عن النظام اللبناني، ولا اي نظام عربي او غربي، بل انها اللغة التي من خلالها يسعى اي نظام مأزوم الى كسر اي محاولة للالتحام والتضامن ما بين الشعوب، وخاصة الطبقات المضطهدة منها، كالعمال والعاملات. وهذا يتبيّن بشكل واضح اذا ما نظرنا بعمق الى هذه المسألة، فالانظمة في واقع الامر تبث عنصريتها بشكل اساسي ضد الفقراء والعمال والعاملات، بينما يتم الترحيب بالاغنياء واصحاب الاموال والرساميل، بداعي تشجيع الاستثمارات الخارجية.
وهذا فعلياً ما نشهده اليوم في لبنان، من سياسة نظامية ومتعمدة تقضي برفع منسوب الكراهية والعنصرية تجاه الاجئين واللاجئات السوريين/ات. فكما تم الحديث في السابق عن “الخطر الفلسطيني”، يتم الحديث اليوم عن “خطر الوجود السوري” والذي حسب بعض السياسيين اللبنانيين، يشكل اللاجئون القادمون الى لبنان عملية “احلال”، بمعنى آخر استبدال او احتلال. وبالطبع هناك جيش من “العلماء” و”الاختصاصيين” من المجتمع المدني اللبناني، ومن الامم المتحدة، والمنظمات الاجنبية، التي تعمد، في معرض تبرير تمويلها، إلى إظهار اللجوء السوري إلى لبنان كما لو كان يشكل “خطراً” على الكيان والنسيج الاجتماعي اللبناني، ما يساهم في تقوية خطاب السلطة العنصري واضفاء نكهة “علمية” كاذبة عليه، من خلال الكلام على نمو التنافس ما بين العمال اللبنانيين والسوريين على فرص العمل، بالطبع، من دون التكلم على كيف يتم انتاج هذا “التنافس”.
فالمسؤول الاول والاخير في ظل اي نظام رأسمالي، كالنظام اللبناني، هو البرجوازية واصحاب العمل فهم من يوظّف، وهم من يطرد وهم من يستبدل عاملاً/ة بآخر. فاصحاب العمل اللبنانيون يستفيدون من عوز اللاجئين السوريين لتوظيفهم بأجور زهيدة، والتخلص من عبء دفع اجر كامل (للعمال اللبنانيين)، ومن ثم يقولون للعامل اللبناني: “السوري اخد مطرحك”.
هذه هي السياسة الفعلية التي تنتج بيئة لهذا التنافس، والموقف البرجوازي هذا هو اشبه بموقف مالك عبيد، يطلب من عبيده التقاتل للحصول على لقمة العيش،.فهل على العبيد ان يتقاتلوا؟ او ان يوجهوا معركتهم بوجه من يضطهدهم، ويؤلبهم بعضهم على بعض؟
وبالطبع لتحسين ظروف الاضطهاد والاستغلال هذه، نرى اجهزة الدولة بمجملها تحاول تقييد حرية اللاجئين السوريين، من خلال الترحيل، والاعتقال التعسفي، والاذلال، ومنع التجول، الى ما هنالك من سياسات عنصرية اخرى، تم انتهاجهاً سابقاً وما زالت ضد اللاجئين الفلسطينين، والعراقيين والاكراد، وغيرهم. وهنا يصبح اللاجئون/ات السوريون/ات في وضع كثير الهشاشة، يزيد من نسب الاستغلال تجاههم/ن، وخاصة النساء منهم، من خلال الابتزاز الاقتصادي والجنسي، كما من خلال حالات التحرش والاغتصاب، وصولاً الى تزويجهن ضد ارادتهن ومقابل المال.
في ظل هذا الواقع، فإن السماح باستمرار هكذا سياسات لن يكون فقط ذا اثر كارثي على اللاجئين/ات السوريين/ات فقط بل على السكان اللبنانيين ايضاً. فاستمرار تلك السياسات يعني بطبيعة الحال انتاج المزيد من الارباح للبرجوازيين واصحاب العمل اللبنانيين، والى اعطاء المزيد من الشرعية لسلطة قاتلة، ومجرمة لم تتردد يوماً في اطلاق جحيم الحروب الاهلية والجرائم على سكانها، وبعد انتهائها تبرئ نفسها من خلال قانون آخر من قوانين العفو العام، بينما تفرض على الشعب (اي الضحايا) ان يدفع فاتورة تلك الحرب، من خلال تسريح العمال والخصخصة، وبيع الاملاك العامة، وما إلى ذلك.
اليوم يتشارك اللبنانيون والسوريون العاديون الواقع نفسه، ويخوضون تجارب مماثلة. فالسلطة اللبنانية كما السلطة السورية تبتزّ كلٌّ منهما شعبها للبقاء في السلطة، من خلال التنكيل والترهيب. فكما شغلت السلطة اللبنانية في العقود الماضية شعبها بالحروب الدموية، عندما احست بخطر سقوطها في الشارع، يقوم بشار الاسد اليوم بالطرد والقتل والتدمير بحق شعبه لأنه تجرأ على الخروج من اجل المطالبة بالحرية والكرامة. ما اعطى الحجة لكثير من القوى الاصولية والتكفيرية للخروج الى الواجهة. فعندما يقطع نظام ما الطريق امام اي تغيير ديمقراطي وشعبي، فإنه بطبيعة الحال يساهم بشكل مباشر في انتاج تلك الحركات والجماعات الارهابية التي تشبهه، وان اختلفت تقنياً ادوات القتل.
في ظل هذا الواقع الصعب والشديد التعقيد، علينا كلبنانيين وسوريين، وكذلك كفلسطينيين واكراد وارمن، والى اي جنسية او اثنية انتمينا، ان نتحد ونتضامن فيما بيننا، في مواجهة انظمتنا جميعاً. فكما دخل النظام السوري الى لبنان لانقاذ الطبقة الحاكمة اللبنانية من مأزقها في الحرب الاهلية، ها نحن نرى حزب الله يتدخل في سوريا لانقاذ النظام السوري من ازمته. فإن كان الحكام يسمحون لانفسهم بتخطي الحدود التي يفرضونها علينا، فلماذا علينا نحن ان نلتزم بها؟
من هنا فإن مواجهة العنصرية ومحاولات السلطة اللبنانية المتكررة لتأليب الناس بعضهم على بعض، اكان على اساس طائفي او اثني او جنسي، او غير ذلك، لا يمكن أن تتم إلا من خلال بناء اوسع حالات التضامن الممكنة ما بين اللبنانيين والسوريين، والفلسطينيين، وجميع السكان الى اي هوية انتموا، وذلك ليس من منطلق انساني او إغاثي وحسب، بل كذلك على أساس التضامن السياسي والنضالي، لأن معركة التغيير في لبنان، لا يمكن ان تحدث بمعزل عن معركة التغيير في سوريا، والعكس صحيح.
لذلك فاليوم، وكل يوم، علينا بالمواجهة، بالقلم والتظاهر والاعتصام، وكل أشكال النضال الأخرى، وان لا نهدأ إلا بعد ان تنكسر شوكة العنصرية والطائفية التي نتعرض لسهامها يومياً، بينما في المقابل يجلس الزعماء، واصحاب العمل، والمتمولون، على كراسيهم، هادئين، فيما هم يراكمون الثروات، والمزيد من القوة، ونتقاتل نحن فيما بيننا.
لذلك نقول لكل لاجئ، في هذا الوطن الضيِّق، ولكن الفسيح، في آنٍ معاً: لبنان بيتكم، كما سوريا هي بيتنا، والعراق وفلسطين ومصر، وجميع بقاع هذه الارض. كلنا اولاد لاوطان سُلبت منّا، إما عبر الاحتلال الاجنبي او الاحتلال المحلي، و لقد حان الوقت لنسترجع احلامنا، وحرياتنا، وننتزع العدالة والمساواة ممن يريدوننا وقوداً لكراهيتهم وأحقادهم.
فلتسقط العنصرية، ولتسقط الانظمة، وعاشت الشعوب الثائرة!
المنتدى الاشتراكي(لبنان)
بيروت في 26/5/2014